فصل: تفسير الآيات (37- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (31- 36):

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)}
قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً} ذكر جزاء من اتقى مخالفة أمر الله مَفازاً موضع فوز ونجاة وخلاص مما فيه أهل النار. ولذلك قيل للفلاة إذا قل ماؤها: مفازة، تفاؤلا بالخلاص منها. {حَدائِقَ وَأَعْناباً} هذا تفسير الفوز.
وقيل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً إن للمتقين حدائق، جمع حديقة، وهي البستان المحوط عليه، يقال أحدق به: أي أحاط. والأعناب: جمع عنب، أي كروم أعناب، فحذف. {وَكَواعِبَ أَتْراباً} كواعب: جمع كاعب وهي الناهد، يقال: كعبت الجارية تكعب كعوبا، وكعبت تكعب تكعيبا، ونهدت تنهد نهودا.
وقال الضحاك: ككواعب العذارى، ومنه قول قيس بن عاصم:
وكم من حصان قد حوينا كريمة ** ومن كاعب لم تدر ما البؤس معصر

والأتراب: الاقران في السن وقد مضى في سورة الواقعة، الواحد ترب. {وَكَأْساً دِهاقاً} قال الحسن وقتادة وابن زيد وابن عباس: مترعة مملوءة، يقال: أدهقت الكأس: أي ملأتها، وكأس دهاق أي ممتلئة، قال:
ألا فاسقني صرفا سقاني الساقي ** من مائها بكأسك الدهاق

وقال خداش بن زهير:
أتانا عامر يبغي قرانا ** فأترعنا له كأسا دهاقا

وقال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وابن عباس أيضا: متتابعة، يتبع بعضها بعضا، ومنه ادهقت الحجارة ادهاقا، وهو شدة تلازبها ودخول بعضها في بعض، فالمتتابع كالمتداخل. وعن عكرمة أيضا وزيد بن أسلم: صافية، قال الشاعر:
لانت إلى الفؤاد أحب قربا ** من الصادي إلى كأس دهاق

وهو جمع دهق، وهو خشبتان يغمز بهما الساق. والمراد بالكأس الخمر، فالتقدير: خمرا ذات دهاق، أي عصرت وصفيت، قاله القشيري.
وفي الصحاح: وأدهقت الماء: أي أفرغته إفراغا شديدا: قال أبو عمرو: والدهق- بالتحريك: ضرب من العذاب. وهو بالفارسية إشكنجه. المبرد: والمدهوق: المعذب بجميع العذاب الذي لا فرجة فيه. ابن الاعرابي: دهقت الشيء كسرته وقطعته، وكذلك دهدقته: وأنشد لحجر بن خالد:
ندهدق بضع اللحم للباع والندى ** وبعضهم تغلي بذم مناقعه

ودهمقته بزيادة الميم: مثله.
وقال الأصمعي: الدهمقة: لين الطعام وطيبه ورقته، وكذلك كل شيء لين، ومنه حديث عمر: لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، ولكن الله عاب قوما فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها} [الأحقاف: 20]. لا يَسْمَعُونَ فِيها أي في الجنة لَغْواً وَلا كِذَّاباً اللغو: الباطل، وهو ما يلغى من الكلام ويطرح، ومنه الحديث: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت» وذلك أن أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم، ولم يتكلموا بلغو، بخلاف أهل الدنيا. وَلا كِذَّاباً: تقدم، أي لا يكذب بعضهم بعضا، ولا يسمعون كذبا. وقرأ الكسائي {كذابا} بالتخفيف من كذبت كذابا أي لا يتكاذبون في الجنة.
وقيل: هما مصدران للتكذيب، وإنما خففها ها هنا لأنها ليست مقيدة بفعل يصير مصدرا له، وشدد قوله: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً لان كذبوا يقيد المصدر بالكذاب. جَزاءً مِنْ رَبِّكَ نصب على المصدر. لان المعنى جزاهم بما تقدم ذكره، جزاءه وكذلك عَطاءً لان معنى أعطاهم وجزاهم واحد. أي أعطاهم عطاء. حِساباً أي كثيرا، قاله قتادة، يقال: أحسبت فلانا: أي كثرت له العطاء حتى قاله حسبي. قال:
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ** ونحسبه إن كان ليس بجائع

وقال القتبي: ونرى أصل هذا أن يعطيه حتى يقول حسبي.
وقال الزجاج: حِساباً أي ما يكفيهم. وقاله الأخفش. يقال: أحسبني كذا: أي كفاني.
وقال الكلبي: حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشرا. مجاهد: حسابا لما عملوا، فالحساب بمعنى العد. أي بقدر ما وجب له في وعد الرب، فإنه وعد للحسنة عشرا، ووعد لقوم بسبعمائة ضعف، وقد وعد لقوم جزاء لا نهاية له ولا مقدار، كما قال تعالى: {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} [الزمر: 10]. وقرأ أبو هاشم: {عطاء حسابا} بفتح الحاء، وتشديد السين، على وزن فعال أي كفافا، قال الأصمعي: تقول العرب: حسبت الرجل بالتشديد: إذا أكرمته، وأنشد قول الشاعر:
إذا أتاه ضيفه يحسبه

وقرأ ابن عباس. {حسانا} بالنون.

.تفسير الآيات (37- 40):

{رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)}
قوله تعالى: {رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ} قرأ ابن مسعود ونافع وأبو عمرو وابن كثير وزيد عن يعقوب، والمفضل عن عاصم: {رب} بالرفع على الاستئناف، {الرحمن} خبره. أو بمعنى: هو رب السموات، ويكون {الرحمن} مبتدأ ثانيا. وقرأ ابن عامر ويعقوب وابن محيصن كلاهما بالخفض، نعتا لقوله: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ أي جزاء من ربك رب السموات الرحمن. وقرأ ابن عباس وعاصم وحمزة والكسائي: رَبِّ السَّماواتِ خفضا على النعت، {الرحمن} رفعا على الابتداء، أي هو الرحمن. واختاره أبو عبيد وقال: هذا أعدلها، خفض رَبِّ لقربه من قوله: مِنْ رَبِّكَ فيكون نعتا له، ورفع {الرحمن} لبعده منه، على الاستئناف، وخبره لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً أي لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه.
وقال الكسائي: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً بالشفاعة إلا بإذنه.
وقيل: الخطاب: الكلام، أي لا يملكون أن يخاطبوا الرب سبحانه إلا بإذنه، دليله: {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [هود: 105].
وقيل: أراد الكفار لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً، فأما المؤمنون فيشفعون. قلت: بعد أن يؤذن لهم، لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109]. قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} يَوْمَ نصب على الظرف، أي يوم لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح. واختلف في الروح على أقوال ثمانية: الأول: أنه ملك من الملائكة. قال ابن عباس: ما خلق الله مخلوقا بعد العرش أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم. ونحو منه عن ابن مسعود، قال: الروح ملك أعظم من السموات السبع، ومن الأرضين السبع، ومن الجبال. وهو حيال السماء الرابعة، يسبح الله كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا، فيجيء يوم القيامة وحده صفا، وسائر الملائكة صفا.
الثاني: أنه جبريل عليه السلام. قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير. وعن ابن عباس: إن عن يمين العرش نهرا من نور، مثل السموات السبع، والأرضين السبع، والبحار السبع، يدخل جبريل كل يوم فيه سحرا فيغتسل، فيزداد نورا على نوره، وجمالا على جماله، وعظما على عظمه، ثم ينتفض فيخلق الله من كل قطرة تقع من ريشه سبعين ألف ملك، يدخل منهم كل يوم سبعون ألفا البيت المعمور، والكعبة سبعون ألفا لا يعودون إليهما إلى يوم القيامة.
وقال وهب: إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله تعالى ترعد فرائصه، يخلق الله تعالى من كل رعدة مائة ألف ملك، فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسة رؤوسهم، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا: لا إله إلا أنت، وهو قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} في الكلام وَقالَ صَواباً يعني قول: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ.
والثالث: روى ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «الروح في هذه الآية جند من جنود الله تعالى، ليسوا ملائكة، لهم رءوس وأيد وأرجل، يأكلون الطعام». ثم قرأ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} فإن هؤلاء جند، وهؤلاء جند. وهذا قول أبي صالح ومجاهد. وعلى هذا هم خلق على صورة بني آدم، كالناس وليسوا بناس.
الرابع: أنهم أشراف الملائكة، قاله مقاتل بن حيان.
الخامس: أنهم حفظة على الملائكة، قاله ابن أبي نجيح.
السادس: أنهم بنو آدم، قاله الحسن وقتادة. فالمعنى ذوو الروح.
وقال العوفي والقرظي: هذا مما كان يكتمه ابن عباس، قال: الروح: خلق من خلق الله على صور بني آدم، وما نزل ملك من السماء إلا ومعه واحد من الروح.
السابع: أرواح بني آدم تقوم صفا، فتقوم الملائكة صفا، وذلك بين النفختين، قبل أن ترد إلى الأجساد، قاله عطية.
الثامن: أنه القرآن، قاله زيد ابن أسلم، وقرأ {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا}. و{صَفًّا}: مصدر أي يقومون صفوفا. والمصدر ينبئ عن الواحد والجمع، كالعدل والصوم. ويقال ليوم العيد: يوم الصف.
وقال في موضع آخر: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] هذا يدل على الصفوف، وهذا حين العرض والحساب. قال معناه القتبي وغيره.
وقيل: يقوم الروح صفا، والملائكة صفا، فهم صفان.
وقيل: يقوم الكل صفا واحدا. {لا يَتَكَلَّمُونَ} أي لا يشفعون {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} في الشفاعة {وَقالَ صَواباً} يعني حقا، قاله الضحاك ومجاهد.
وقال أبو صالح: لا إله إلا الله.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: يشفعون لمن قال لا إله إلا الله.
واصل الصواب. السداد من القول والفعل، وهو من أصاب يصيب إصابة، كالجواب من أجاب يجيب إجابة.
وقيل: {لا يَتَكَلَّمُونَ} يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفا، لا يتكلمون هيبة وإجلالا {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} في الشفاعة وهم قد قالوا صوابا، وأنهم يوحدون الله تعالى ويسبحونه.
وقال الحسن: إن الروح يقول يوم القيامة: لا يدخل أحد الجنة إلا بالرحمة، ولا النار إلا بالعمل. وهو معنى قوله تعالى: {وَقالَ صَواباً}. قوله تعالى: {ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} أي الكائن الواقع {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً} أي مرجعا بالعمل الصالح، كأنه إذا عمل خيرا رده إلى الله عز وجل، وإذا عمل شرا عده منه. وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام: «والخير كله بيديك، والشر ليس إليك».
وقال قتادة: {مَآباً}: سبيلا. قوله تعالى: {إنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً}
: يخاطب كفار قريش ومشركي العرب، لأنهم قالوا: لا نبعث. والعذاب عذاب الآخرة، وكل ما هو آت فهو قريب، وقد قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} [النازعات: 46] قال معناه الكلبي وغيره.
وقال قتادة: عقوبة الدنيا، لأنها أقرب العذابين. قال مقاتل: هي قتل قريش ببدر. والأظهر أنه عذاب الآخرة، وهو الموت والقيامة، لان من مات فقد قامت قيامته، فإن كان من أهل الجنة رأى مقعده من الجنة، وإن كان من أهل النار رأى الخزي والهوان، ولهذا قال تعالى: {يوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} بين وقت ذلك العذاب، أي أنذرناكم عذابا قريبا في ذلك اليوم، وهو يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، أي يراه وقيل: ينظر إلى ما قدمت فحذف إلى. والمرء ها هنا المؤمن في قول الحسن، أي يجد لنفسه عملا، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا، فيتمنى أن يكون ترابا. ولما قال: {يَقُولُ الْكافِرُ} علم أنه أراد بالمرء المؤمن.
وقيل: المرء ها هنا: أبي خلف وعقبة بن أبي معيط. {ويَقُولُ الْكافِرُ} أبو جهل.
وقيل: هو عام في كل أحد وإنسان يرى في ذلك اليوم جزاء ما كسب.
وقال مقاتل: نزلت قوله: {يوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ}
في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي: {يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} في أخيه الأسود بن عبد الأسد.
وقال الثعلبي: سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: الكافر: ها هنا إبليس وذلك أنه عاب آدم بأنه خلق من تراب، وافتخر بأنه خلق من نار، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة، والرحمة، وراي ما هو فيه من الشدة والعذاب، تمنى أنه يكون بمكان آدم، فقُولُ:
{يالَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} قال: ورأيته في بعض التفاسير للقشيري أبي نصر.
وقيل: أي يقول إبليس يا ليتني خلقت من التراب ولم أقل أنا خير من آدم. وعن ابن عمر: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحوش، ثم يوضع القصاص بين البهائم، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء بنطحتها، فإذا فرغ من القصاص بينها قيل لها: كوني ترابا، فعند ذلك قُولُ الْكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً. ونحوه عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، مجودا والحمد لله. ذكر أبو جعفر النحاس: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال حدثنا سلمة بن شبيب، قال حدثنا عبد الرازق، قال حدثنا معمر، قال أخبرني جعفر بن برقان الجزري، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: إن الله تعالى يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان، ثم يقال للبهائم والطير كوني ترابا، فعند ذلك قُولُ الْكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.
وقال قوم: الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً: أي لم أبعث، كما قال: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ.
وقال أبو الزناد: إذا قضي بين الناس، وأمر بأهل الجنة إلى الجنة، واهل النار إلى النار، قيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن: عودوا ترابا، فيعودون ترابا، فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.
وقال ليث بن أبي سليم: مؤمنو الجن يعودون ترابا.
وقال عمر بن عبد العزيز والزهري والكلبي ومجاهد: مؤمنو الجنة حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها. وهذا أصح، وقد مضى في سورة الرحمن بيان هذا، وأنهم مكلفون: يثابون ويعاقبون، فهم كبني آدم، والله أعلم بالصواب.